-->

المأزق .. بقلم دكتور مصطفى محمود

نعود مرة اخرى الى عرض مقالات الدكتور مصطفى محمود والتى كانت تناقش قضايا سياسية واجتماعية مهمه ورغم انها كانت تكتب مع حدث معين الا انها مازالت فعاله وتعطيك الاحساس انها مكتوبة اليوم وليس من عشرات السنين


مقال اليوم بعنوان ... المأزق



الامه العربيه المرتقبه بقدر ما هي عاجله وضروريه‏..‏ بقدر ما هي صعبه‏..‏ انها اشبه بجمع الدول الاوروبيه في قمه بعد انتهائ الحرب العالميه بشهور‏.‏






ورغم ان الدول الاوروبيه قد اجتمعت في النهايه واتحدت في منظومه اقتصاديه واحده‏,‏ ووحدت عملتها‏..‏ الا ان ذلك كان بعد الحرب باكثر من خمسين عاما‏..‏ ان الجراح تندمل في النهايه‏..‏ ولكنها تحتاج الي وقت‏.‏

ولقائ العرب مطلب عزيز ولا شك‏..‏ والوحده العربيه هتاف نهتف به من قديم‏..‏ ولكن ماصنعه صدام والاسفين الذي دقته امريكا في جسم الامه العربيه بحرب الخليج‏,‏ والجراح التي راحت امريكا تنخس فيها لتتسع‏..‏ كل هذا يجعل من لقائ الاحبه امرا بعيد المنال‏.‏

والعراق الان ليس اي عراق‏,‏ ولكنه عراق صدام بكل مايعنيه صدام من افعال تراكميه مستفزه‏,‏ لم تترك ملكا ولا زعيما ولا حاكما الا جرحته واتهمته بالخيانه والعماله‏.





وديكتاتوريه صدام لا ترضي باقل من الاذعان الكامل‏..‏ وحضور صدام ربما يفجر كل هذا‏..‏

وسوف تكون اول ورقه في اللقائ المرتقب هي انتشال العراق من هوه الجوع والافلاس والضنك والخراب‏,‏ الذي تردي اليه‏..‏ فذلك هو الامر الانساني العاجل‏.‏






وفي الظرف الحالي من تردي اسعار البترول الي دون الدولارات التسعه‏,‏ وتردي الميزانيات العربيه وقله فوائضها وكثره التزاماتها‏,‏ سوف يري كل حاكم عربي ان الحل الاسلم هو ان يغلق الباب الذي سياتي منه الريح ويستريح‏..‏ وسوف يري تفاديا للاحراج ان يعتذر عن هذه القمه‏,‏ او يطلب تاجيلها الي اجل غير مسمي‏.‏


ان المخاضه الدمويه التي خاضتها العراق والغارات الهمجيه التي اتت علي كل بنيتها والقنابل التي حولتها الي انقاض تجعل الارقام المطلوبه لاعاده بغداد الي الحياه ارقاما فلكيه من مليارات الدولارات‏.‏





واذا كانت الاحصائات تقول ان ماخسره العرب في حرب الخليج وفي تدهور اسعار البترول بلغ الربعمائه مليار دولار‏..‏ وان الدول العربيه سوف تحتاج الي ان تقترض وتستدين بنسبه‏160%‏ من صادراتها في السنوات المقبله‏.‏

كل هذا سوف يعني شد الاحزمه علي البطون‏..‏ وسوف يعني انه لن تعود هناك دوله عربيه غنيه بمعني الغني الواسع الباذخ‏..‏

وفواتير الاحتلال الامريكي الان تاتي اولا علي اي فائض‏..‏ هذا اذا كان هناك فوائض‏.‏

وليس من العدل ان يرتكب صدام ماشائ من حماقات‏,‏ ثم تدفع الدول العربيه فواتير خسائره وحماقاته‏..‏ واذا تجنبت القمه كل هذه المطبات فانها لن تكون قمه‏..‏

واذا لم يتناول اللقائ العربي كل هذه التفاصيل‏,‏ واكتفي بالتمنيات‏,‏ فانه لن يكون لقائ ذا قيمه‏..‏ والصراحه مكلفه‏.‏

ولهذا السبب ربما تاخرت القمه‏..‏ وربما اكتفي الاخوه بلقائ وزرائ الخارجيه‏..‏ وهم معذورون‏..‏




ولكل شيئ اوان‏..‏


والوحده الاوروبيه مثال مفيد‏..‏ فقد جائت الوحده الاوروبيه بعد حروب ونزاعات واهوال‏..‏ وتاخرت اكثر من خمسين عاما‏..‏ واحتاج الامر الي دراسات طويله متانيه‏..‏ واشركت الحكومات شعوبها في استفتائات متواليه‏..‏ والتزمت بنتائج هذه الاستفتائات في ديمقراطيه امينه‏..‏ وكانت النتيجه والثمره هي هذه الوحده العظيمه التي جائت مكتمله‏,‏ فاصبح للدول الاوروبيه الاحدي عشره عمله واحده هي اليورو‏..‏ وبرلمان واحد‏..‏ ونظام واحد‏..‏

وهذا هو التقدم الحقيقي والتحضر الحقيقي‏,‏ فالوحده لاتاتي بالهتاف والتمنيات‏,‏ وانما تاتي من خلال المعاناه‏..‏ ومن خلال الدرس والحسابات الدقيقه والتشاور المضني‏.‏





وقد سبقت الوحده الاوروبيه دراسات اقتصاديه مستفيضه وحسابات ووضع لكل دوله مشتركه سقف للتضخم لا تتجاوزه كشرط لقبولها‏..‏ وعلي الدوله التي لاتستوفي هذا الشرط ان تصلح من اقتصادها اولا‏.‏

وتركيا رفضت اكثر من مره‏,‏ ولم تقبل في الوحده الاوروبيه لانها غير ديمقراطيه‏,‏ ولانها دوله يحكمها العسكر‏.‏

وهكذا جعلت الوحده الاوروبيه من نفسها منتدي العظمائ المحظور دخوله علي السوقه ودول الدرجه الثالثه‏.‏

وما فعلته الدول الاوروبيه لتجتمع وتتوحد‏,‏ هو نموذج ومثال لنا لنتعلم وليس عيبا ان نتعلم‏.‏

ان امام الدول العربيه سنوات اذن لتخرج من مازق خلافاتها‏,‏ وهذا معناه بالنسبه لاسرائيل اجازه من متاعبها وفرصه للحركه وفرصه للمناوره وفرصه لاحتلال المزيد من الارض وفرصه للنمو العدواني في جميع الاتجاهات‏.‏

وسنه‏1999,‏ والسنه‏2000‏ ستكون سنتي الانقضاض بالنسبه لاسرائيل‏..‏ ولا يوجد انسب من هذا الوقت بالنسبه لاسرائيل‏,‏ والعرب مشغولون بجراحهم وخلافاتهم‏.‏





ان فواتح الالفيه الثالثه ستكون ايام الكوارث في منطقتنا العربيه‏..‏ والله اعلم‏..‏ ولا اسبق الحوادث‏,‏ ولكني انصح باليقظه وانصح ان تكون رحله الرئيس المقبله للصين في ابريل المقبل منطلق تعاون كبير علي المستوي الاقتصادي والعسكري‏.‏

والاستعداد واجب‏,‏ والباب الوحيد الذي بقي امامنا مفتوحا هو الباب الاسيوي‏..‏ وارجو ان نستفيد من هذا الباب المفتوح اقصي استفاده وبشكل يعوضنا ما يتدفق علي اسرائيل من اسلحه ومعونات من الباب الامريكي‏.‏

وفي هذا العام لم يعد ممكنا ان تكافح وحدك‏,‏ بل لابد ان يكون لك عزوه وسند في اوقات الشده‏.‏

وامريكا علي قوتها تلجا الي الاحلاف والتكتلات لتواجه مشاكلها‏..‏ واسرائيل لها شبكه عنكبوتيه واذرع اخطبوطيه من الاعوان في كل مكان من العالم ولها اذان الكترونيه تتنصت بها علي كل اجتماع سري او معلن معها او ضدها‏..‏ ودول اليوم عصابات وتكتلات ومصالح متضاده ومتشابكه والاعتزال في ابراج اصبح مستحيلا‏..‏ وفي عصر التليفون المحمول والفضائيات والاطباق اللاسلكيه اصبحنا نعيش في شبه عرائ‏.‏

وفي زمن العصابات لابد ان تكون لك عصابه‏.‏





والانتصار لاياتي بالسلاح وحده‏,‏ وانما بالسياسه وبالحيله وبالمكر وبالتخطيط‏..‏ وقد ينتصر الضعيف علي القوي وتتفوق القله علي الكثره‏..‏ وقد راينا نباتات تمكر بحشرات وتاكلها مع ان لهذه الحشرات اجنحه تطير بها وارجلا تسعفها في الهرب‏..‏ لكن راينا النباتات تمكر بها وتنصب لها الفخاخ وتوقعها في الشراك وتلتهمها في هدوئ واطمئنان‏.‏

وفيما يفعله صدام حسين علي المسرح السياسي العربي‏..‏ شيئ اشبه بالمكيده المرسومه لتخريب البيت العربي‏,‏ واستنزاف امواله لصالح امريكا وحلفائها‏..‏ وهو كحشره سوس النخيل التي تاكل في لباب النخله حتي تموت‏,‏ وهي واقفه وتتهاوي بلا حراك‏..‏ وهكذا يفعل صدام حسين في البنيه العربيه‏.‏





وفي التصريحات الاخيره التي خرجت من العراق‏,‏ راينا الرجل يعاود الهجوم علي شرعيه استقلال الكويت‏,‏ ويعاود الادعائ القديم بانها جزئ من العراق‏,‏ ويسحب اعترافاته السابقه بترسيم الحدود‏,‏ ويتهم السعوديه والكويت بتسهيل العدوان الامريكي‏..‏ وكانه يقول لحلفائه الامريكان‏..‏ لاتدعوا فرصتكم تفوت وضاعفوا اتاواتكم وفواتير احتلالكم لهذه الدول الوهميه وانا كفيل بارهاب هولائ العرب ليدفعوا لكم لاخر دينار في خزائنهم‏..‏ وانا رجلكم والكفيل بتركيع هولائ العرب لاخر حاكم فيهم‏.‏

والتصريحات العراقيه تشي بهذه العماله‏..‏





والقنابل الامريكيه والبريطانيه التي ضربت الشعب العراقي وقتلت الالوف منه ولم تقترب من مخبا صدام‏,‏ ولم تصب احدا من اعوانه ولم تمس احدا من وزرائه‏..‏ هي اصدق دليل علي هذه العماله‏.‏

ونحن امام شخصيه عجيبه لا دين لها ولا ولائ ولا عروبه ولا انسانيه‏,‏ وانما هي اجرام صرف وكراهيه محضه‏.‏

وحكايات امريكا عن اسقاط صدام والتخلص منه وحكايات انجلترا عن تمويل الجبهات العراقيه المعارضه للقضائ عليه‏..‏ هي حكايات هزليه للضحك علينا‏..‏ وقد كان صدام حسين في مرمي جنود جورج بوش‏,‏ ولم تطلق عليه رصاصه واحده‏..‏ بل كانت التعليمات هي المحافظه علي حياته‏.‏

انه رجل امريكا بلا شك‏..‏

وهم يعلمون انه طالما كان حيا‏..‏ فلن تكون للعرب قمه‏,‏ ولن تجتمع لهم عصبه فهو اقوي قنبله ناسفه للوحده العربيه والاسلام‏,‏ تملكها الترسانه الامريكيه‏..‏

انهم يمكرون بنا‏..‏

والله يمكر بهم وهو اشد مكرا‏..‏

والله يقول‏:‏ انهم يكيدون كيدا واكيد كيدا فمهل الكافرين امهلهم رويدا‏..‏

ان الليل حالك‏..‏ والظلام مدلهم‏..‏ ولكن الفجر قادم‏..‏

ان العقل الذي صنع القنبله والصاروخ يستطيع ان يفسد القنبله ويضلل الصاروخ‏..‏

وفي السيرك تركع الاسود لمروضها وتسجد الافيال امام صوت كرباجه‏..‏

والله الذي خلق كل هذا‏,‏ والذي يدير هذا الكون بعجائبه ومتناقضاته‏,‏ يستطيع بلا شك ان يبدل من احوالنا ويمدنا باسباب النصر‏..‏

والانسان الذي اختاره الله خليفه لايجوز له الياس ابدا مهما حاصرته الاخطار واحدقت به العداوات‏..‏ فقد نفخ الله فيه من روحه وهو ناصر لدينه لا محاله‏..‏ وايمان المومن اقوي اسلحته فلا تفقدوا ايمانكم‏..‏


وصبرا ال ياسر‏...‏

فلن يخلف الله وعده‏...‏

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على "المأزق .. بقلم دكتور مصطفى محمود"

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات